الفوضى الخلاقة تتجاوز حدود الشرق الأوسط المركز لتصبح عالمية..

26

الفوضى الخلاقة تتجاوز حدود الشرق الأوسط المركز لتصبح عالمية… آلية الإنكار لتبدل موازين القوى تقود العالم نحو مطحنة جديدة

يتخبط ساسة تل أبيب وواشنطن في محاولة تفسير اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان على أنه انتصار على طرف مهم من كتلة المقاومين للهيمنة الغربية التي يتم فرضها عبر إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط المركز. في الساعات التي تلت الوقف الفعلي لإطلاق النار في الساعة الرابعة صباحا يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024 حسب التوقيت المحلي شرق المتوسط، بذلت وسائل الإعلام الغربية النافذة وبعض الساسة في تل أبيب وواشنطن خاصة كل جهد لتقديم اتفاق وقف القتال كانتصار ولكنهم لم ينجحوا في ذلك وسجلوا تناقضات في خطاباتهم معيدين طرح نفس المعادلات التي ثبت كذبها في حربهم سنة 2006 ضد لبنان وبأفغانستان وغيرها. وتفيد مصادر رصد خاصة في العاصمة الألمانية برلين أنه وبالنسبة لوسائل الإعلام الغربية كررت السلطات السياسية وجماعات الضغط للمركب الصناعي العسكري المتحكمة التأكيد لها على ضرورة منع نشر أي مقالات أو مشاهد كبيرة مصورة للدمار الذي لحق بالمستوطنات والمدن الإسرائيلية نتيجة القصف سواء من لبنان أو غزة، والتركيز على نشر موسع للأضرار التي لحقت بلبنان ومعاناة سكانه وما سمي معارضة للتورط في الحرب. وهكذا تم الإمعان في تطبيق آلية الإنكار.

يعتبر الإنكار آلية تكيف تمنحك وقتا للتكيف مع الأوضاع المفجعة – ولكن الاستمرار في حالة الإنكار قد يؤثر على العلاج أو على قدرتك على مواجهة التحديات. إذا كنت تعاني من حالة إنكار، فإنك تحاول حماية نفسك عن طريق رفض قبول حقيقة حدوث شيء ما في حياتك.

هناك تفسيرات عديدة في علم النفس لاستخدام البشر آلية دفاعية تسمى “حالة الإنكار”، لكن أشهرها التي تقول إن الإنسان يستخدم هذه الآلية كأسلوب مناورة ليداري بها عجزه أو فشله عن اتخاذ قرار حاسم للمشكلة التي يشيح بوجهه عنها.

استخدام “حالة الإنكار” يكون لإنكار وجود المشكلة، أو لإبعاد الأنظار عنها، أو وضع اليد عليها باعتبارها أساس التداعيات الحاصلة في المشهد الحالي، بمعنى أبسط، هي عيش حالة “توهم” لإبعاد التفكير عن القضية الأساس وتوجيه الانتباه والاهتمام لقضايا أخرى، هي في الحقيقة “حبوب تخدير” للقضية الأولى، فلا تعالج المشكلة، بل قد تضعها في حالة “غيبوبة وقتية” سرعان ما تنتهي لتعود المشكلة الأولى للظهور باعتبار أنها لم تختف أصلا بل كانت مستمرة.

تؤدي الدعاية الإعلامية ذات الأهداف السياسية، دورا أساسيا في تأليب الرأي العام وتوجيه الناس وآرائهم وشحنهم بالعواطف والانفعالات من خلال ما تعرضه عليهم من حقائق، ويجدر بالذكر هنا أن خيانة الحقيقة لا تكون فقط من خلال الكذب، ولكن من خلال تجزئتها، فعَرض أجزاء مختارة بعناية من الحقيقة كفيل بتشويه الحقيقة كاملة، فالانتقاء والاجتزاء شكل من أشكال التضليل، وكذلك التغطية الإعلامية الأُحادية عامل أساسي في تشكيل قناعات الناس واستقطابها باتجاه واحد فقط.

ولإلقاء الضوء على ذلك الأسلوب صرح الباحث ديفيد خلفا، المدير المشارك لمرصد شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والمسؤول عن “الاجتماعات الجيوسياسية” لمؤسسة جان جوريس: إن إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار بعد تكثيف الضربات على لبنان وقصف حزب الله على إسرائيل أمر منطقي من الناحية العسكرية، لأن كل طرف يحاول تسجيل نقاط قبل التوقيع، وهو جزء من الحرب النفسية يسميه الجنرال البوروسي كارل فون كلاوزفيتز “جدلية صراع الإرادات” ولكن المشكلة هنا أن أغلب الأهداف المعلنة للعملية العسكرية الإسرائيلية لم تتحقق.

يوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن تل أبيب وافقت على وقف إطلاق النار مع لبنان لحقيق 3 أهداف رئيسية تتمثل في:

التركيز على التهديد الإيراني.

إعادة تنشيط القوات الإسرائيلية ومنحها فترة راحة وتوحيد صفوفها وجلب مزيد من الأسلحة والذخائر لها.

فصل جبهة غزة عن جبهة لبنان وعزل حركة “حماس”.

ولفت نتنياهو إلى أن الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته على الجبهات الباقية وهي “الصفة الغربية واليمن والعراق وسوريا، قائلا: “نحبط بشكل منهجي محاولات إيران وحزب الله والجيش السوري لنقل الأسلحة إلى لبنان، وعلى الأسد أن يدرك أنه يلعب بالنار”.

بعد ساعات قليلة من وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية بدأت تل أبيب وواشنطن تنفيذ هجومهما على سوريا بمشاركة تركية التي تتبع سياسة متقلبة في المنطقة فهي تعلن قطع علاقاتها مع إسرائيل ولكنها تواصل التعامل التجاري معها وتضمن تصدير النفط من أذربيجان عبر أراضيها نحو إسرائيل بعد أن حظر اليمن وصول النفط عبر البحر الأحمر، وتحتل أجزاء من أراضي سوريا بعذر الحماية من الانفصاليين الأكراد وفي نفس الوقت تحمي وتسلح جماعات مسلحة مناهضة لدمشق وتشتري أسلحة من روسيا وتزود أوكرانيا بأسلحة ومعدات تركية وتترقب الحصول على طائرات أمريكية من طراز إف-16 بعد أن طردتها واشنطن من صفقة إف-35 التي ساهمت فيها بمليار دولار، ولائحة التناقضات طويلة.

في الشرق الأوسط المركز وإلى جانب القوى المحلية والإقليمية تتصادم القوى الكبرى أي الغرب بقيادة واشنطن مع روسيا والصين بشكل يزداد وضوحا ليضاف إلى حرب أوكرانيا وتوترات بحر الصين الجنوبي وجزيرة تايوان، وذلك فيما يعتبره أغلب المراقبين الفصل ما قبل الختامي لتعديل نظام القوى العالمية وبداية نهاية قوى إمبراطورية وبزوغ أخرى.

هذا الصراع المتصاعد لا يهدد فقط باتساع نطاق المواجهة في الشرق الأوسط المركز، بل ينذر باحتمال التحول إلى حرب عالمية ثالثة. إسرائيل هددت قبل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان ووصول قصف حزب الله إلى أقصى جنوب إسرائيل، باستخدام السلاح النووي ونقل المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوكشتاين هذا التهديد إلى ساسة لبنان، وتل أبيب تهاجم سوريا بانتظام وتزود أوكرانيا بالسلاح والذخائر ونقلت طائرات لها تحمل قنابل نووية إلى قواعد سلطات كييف، وواشنطن تلوح منذ يوم الأحد الأول من ديسمبر 2024 بتسليم أوكرانيا أسلحة نووية سحبت من أراضيها بعد انفصالها عن الاتحاد السوفيتي. وموسكو تبدل قواعد استخدامها للسلاح النووي. والرئيس الأمريكي ترامب الذي سيتولى السلطة في 20 يناير 2025 يواجه تهديدات الدولة العميقة والأجهزة الأمنية التي تخشى من يزلزل قواعدها، والطاقم الذي سيساعد ترامب في حكمه للسنوات الأربع القادمة متناقض في توجهات شخصياته مع ما قدمه ترامب من وعود لتشجيع الناخبين على اختياره.

يمكن القول أنها الفوضى الخلاقة التي بشر بها المحافظون الجدد لتمزيق الشرق الأوسط ولكن هذه المرة بحجم العالم كله.

 

طعم مر

 

يوم الجمعة 29 نوفمبر أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أن اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان هو عمليا”تطبيق واسع للقرار 1701 بقيادة أمريكية”، وأضافت إن المحبطين من الاتفاق في “إسرائيل” يتجاهلون وقائع أساسية، أولها أن “حزب الله لم يهزم، ولم يكن قريبا من الهزيمة”، مشددةعلى أنه “تعرض لضربات قاسية جدا، لكنه واصل القتال”.

وأضافت أنّ “الكثير من الإسرائيليين يرون ويفتخرون بقوة إسرائيل العسكرية لكن لا يفهمون لماذا لا تنجح في تحقيق صورةوضع جديد من دون أي تهديد، وفي أن تملي على لبنان تجريد حزب الله من سلاحه وإقامة حزام أمني”.

وأشارت “يديعوت أحرونوت” إلى أن “كل من يفهم شيئا عن لبنان، يعرف أن هناك أمورا لا يمكن تحقيقها بواسطة الدبابات والصواريخ، أو حتى بتفجير البيجرات”.

كذلك، تطرقت “يديعوت أحرونوت” إلى الحديث عن عدم عودة المستوطنين إلى الشمال، مشيرة إلى الدمار الهائل في المستوطنات وأن “المشكلة هي أن الكثيرين من نازحي الشمال اعتادوا على الحياة المريحة في منطقة الوسط، فيما من غير المؤكد أنهم سيعودون”.

وفي وقتٍ سابق، أقر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في “الجيش” الإسرائيلي سابقاً، تمير هايمن، بأن “الجيش” لم يحقق أيا من أهداف هجومه على لبنان، مشيرا إلى أن هدف إعادة المستوطنين بسرعة وأمان إلى الشمال لم يتحقق.

وأكد هايمن أن مقاتلي حزب الله “جسدوا بالقتال الجريء ضد الجيش الإسرائيلي مقولة أنه بالميدان وحده تفرض المعادلات”.

من جانبه اعتبر أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، عضو الكنيست، في مقابلة مع استوديو صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية (واينت) أن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان هو “اتفاق استسلام لحزب الله”.

وأردف: “ما نراه هو أنه على الرغم من تحذير الجيش الإسرائيلي ومطالبته بعدم العودة إلى القرى الواقعة على خط التماس، فإن جميع اللبنانيين – السكان وبالطبع أعضاء حزب الله المموهين – بدأوا يعودون بالفعل..إنهم ببساطة يطلقون صفيرا عند تحذير الجيش الإسرائيلي ويعودون في قوافل تتجه جنوبا”، مضيفا: “إذا بدأ حزب الله في تعزيز وبناء وإنتاج أدوات دقيقة أو جميع أنواع الطائرات في البقاع وبعلبك، فلن يسمح لنا بالعمل هناك”.

وتابع ليبرمان: “قبل أيام، كانت القوات الجوية الإسرائيلية بأكملها تطارد طائرة مسيرة واحدة في الشمال، وفي غضون 5 إلى 6 سنوات سيكون لديهم 40 ألف طائرة. لقد بدأوا في الإنتاج”، مستطردا: “الإيرانيون لا يختبئون أيضا، بل سيعملون مرة أخرى على تسليحهم ومنحهم المال. وطالما أن حزب الله لا يتخلى عن تهديد إسرائيل وتدميرها، فمن المستحيل التوصل إلى اتفاق معهم”.

وبحسب ليبرمان، فإن الحكومة لم تتعلم شيئاً من 7 أكتوبر، مردفا: “لا شيء (تعلمته)، نفس المفهوم بالضبط.. علاوة على ذلك، نشرت اليوم مقالة افتتاحية في صحيفة الأخبار، وهي صحيفة عامة مرتبطة بحزب الله في لبنان، ونحن بحاجة إلى أن نرى كيف ينظرون إلى هذا الشيء.. إنهم يسخرون منا فقط.. يقولون إنه نفس القرار 1701”.

وأشار وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق إلى أن الوزراء صوتوا على الاتفاقية دون أن يطلعوا عليها، قائلا: “لماذا لم ينشر رئيس الوزراء الاتفاقية؟ ما الذي يخفيه؟ نتنياهو لم يوزعها حتى على أعضاء الحكومة. قرأها لهم، وليس من الواضح ما إذا كان قد قرأ الاتفاقية بأكملها أم جزءا منها فقط.. هذا ببساطة غير مقبول. عادة ما يتم وضع الوزراء أمام الوثيقة وعليهم الاطلاع عليها.. دون أن يقرأها رئيس الوزراء عليهم. كما أن موقف رئيس الوزراء هو أيضا موقف عدم احترام للوزراء.. دعاهم معا وانتظروا ساعة ونصف. وفي المنتصف خرج وتحدث مع رؤساء السلطات وأظهر ازدراء لكل من الوزراء ورؤساء السلطات”.

واستطرد: “إنه (نتنياهو) جيد في التسويق، لكن الجوهر لا يمكن تغييره.. ويقول إنه كان علينا أن نتوصل إلى اتفاق للتركيز على إيران.. لقد كنت رئيسا للوزراء لمدة 17 عاما، ماذا فعلت خلال 17 عاما؟ من منعك من التركيز؟”.

ولفت ليبرمان إلى أنه لو كان وزيرا للدفاع لما توصلوا إلى هذا الاتفاق، حيث صرح بالقول: “كان من الأفضل إبلاغهم من جانب واحد بأننا سنغادر، لأن هذا الاتفاق في الوقت الحالي يقيدنا فقط ولا يقيد الطرف الآخر في شيء”.

في نفس التوقيت تقريبا أعرب مايكل روبين، كبير الباحثين في “معهد أمريكان إنتربرايز” بواشنطن، عن تخوفه من أن “يواصل (حزب الله) الاحتفاظ بقدراته لمواصلة سياساته”، فيما يقول ديفيد داود، كبير الباحثين في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”بواشنطن، إنه “على الرغم من أن لغة الاتفاق تبدو أقوى من لغة القرار 1701″، فإنه لا يبدو كافياً لوقف أنشطة حزب الله في المستقبل.

 

الترسانة العسكرية استنزفت

 

أفادت صحيفة جيروزاليم بوست يوم 28 نوفمبر 2024 -نقلا عن زميلتها معاريف الناطقة باللغة العبرية- بأن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى ترميم قدراته العسكرية بالشروع في عمليات شراء ضخمة لأنظمة أسلحة وطائرات مقاتلة ومروحيات ودبابات ومدفعية وصواريخ ومختلف أنواع الذخائر.

وقالت إن حالة المروحيات التي يمتلكها الجيش هي الأسوأ، لاسيما أسراب الأباتشي. وفي ما يتعلق بالذخائر، فإن الجيش يعاني باستمرار من تقلص مخزونه من القنابل أرض-جو.

وأضافت أن الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو تجاوزت بكثير عمرها الافتراضي بعد أن راكمت كل طائرة منها آلاف الساعات من التحليق خلال الحرب، مما تسبب في تقلص العمر الافتراضي لجميع الطائرات المقاتلة، وهو ما سيتطلب من إسرائيل الإسراع في شراء أسراب جديدة من الطائرات، خاصة طائرات إف-35 وإف-15.

ونقلت عن مسؤول كبير من إحدى كبرى شركات توريد الأسلحة في العالم -لم تفصح عن هويته- القول إن “ما يحدث في العالم اليوم جنون، فهو ليس العالم الذي عرفناه قبل عامين أو 3 أعوام. العالم كله يشتري الأسلحة، كل شيء من كل شيء”.

وأضاف: “نحن في خضم سباق، لا تستطيع معه شركات الأسلحة مواكبة الطلبات، وقائمة انتظار التسليم تزداد طولا”.

ومما يعكس الوضع داخل جيش إسرائيل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن، يوم الأربعاء، أن أحد العوامل التي اضطرته لاتخاذ قرار وقف إطلاق النار مع حزب الله اللبناني، هو الحاجة إلى تجديد الذخيرة والعتاد.

غير أن جيروزاليم بوست تعتقد أن وقف إطلاق النار للسماح بتجديد ترسانة الذخائر لم يكن وحده السبب، بل أيضا من أجل شراء منظومات جديدة الآن، مع التركيز على أسراب الطائرات المقاتلة وطائرات التزود بالوقود ومروحيات النقل.

 

الشر الضروري

 

في آخر أيام شهر نوفمبر 2024 شددت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية على أن “الاتفاق الموقع مع لبنان هو السيئ الضروري الأفضل الذي يطاق قياساً للبدائل”، معترفة بأنه “لا يمكن إفراغ لبنان من حزب الله ولا يمكن الوصول إلى كل نفق وكل مصنع أسلحة وكل مستودع”.

وفي حديثها عن مستوطنات الشمال، قالت إن “السكان” هناك دفعوا ثمناً باهظا. وشدد عضو “الكنيست” عميت هليفي من جانبه على أن وقف إطلاق النار القائم يرسي قوة حزب الله في لبنان.

أكد الدكتور عبد الحليم فضل الله، مدير المركز الاستشاري للأبحاث والتوثيق، وهو مركز أبحاث تابع لحزب الله، إن “هذه الحرب الإسرائيلية لم تكن لها أهداف عسكرية لم تتحقق فحسب، بل أهداف سياسية أيضاً. وقد أعلن نتنياهو بوضوح عن أهدافه عندما قال لحلفائه الغربيين إن هذه الحرب ستكون مقدمة لتغييرات سياسية جوهرية في لبنان، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط وقد فشل في تحقيق هذا الهدف. فحزب الله كان ولا يزال الحزب الأكبر في لبنان من حيث التمثيل الشعبي، كما أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وسيظل الحزب الأكبر من حيث المؤسسات، كما أثبت من خلال ملئه السريع للشواغر في المناصب العسكرية والسياسية التي خلّفتها الاغتيالات. وحزب الله سيبقى لاعبا رئيسا في السياسة الداخلية اللبنانية، وستفشل كل محاولات تهميشه سياسيا”.

وتظهر البنود الـ13 لاتفاق وقف إطلاق النار بوضوح أنه يستند إلى حد كبير إلى القرار الأممي 1701 الصادر سنة 2006 بعد فشل العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان في ذلك الوقت والذي وافق لبنان على تنفيذه منذ الأيام الأولى للحرب من دون “أي تعديل”، كما أكد بري. وخلافاً لادعاءات نتنياهو، فإن الاتفاق لا يمنح “الجيش” الإسرائيلي حرية التحرك في الأراضي اللبنانية. ويضمن أحد بنوده “الحق الطبيعي لإسرائيل ولبنان في الدفاع عن النفس”.

كما حذر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله خلال مقابلة تلفزيونية من أن “للمقاومة الحق في الدفاع عن نفسها” في حال تعرضها لأي هجوم إسرائيلي. ولا يذكر الاتفاق نزع سلاح حزب الله، وينص على أنه “سيتم تفكيك جميع المنشآت غير المرخصة المتعلقة بإنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة، وسيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية غير المتوافقة، وستتم مصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة”.

التحدي الذي يواجهه وحزب الله وحركة أمل الممثلان داخل السلطة التنفيذية، والمتمسكان بمبدأ “المقاومة” الذي شرعته جميع الحكومات اللبنانية منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، هو أن يغتنم خصوم حزب الله في الداخل اللبناني، المرتبطين في كثير من الأحيان بأجندات سياسية خارجية، الفرصة. وعلى الرغم من أنهم يشعرون بخيبة أمل إزاء النتيجة التي آلت إليها هذه الحرب، فهم لم يخفوا رغبتهم في أن تقضي “إسرائيل” على حزب الله، فإنهم لا يعتبرون أنفسهم مهزومين. وهم يستعدون بالفعل للتصادم مع حزب الله وحلفائه في القضايا الداخلية، ولاسيما في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية.

 

عودة إلى المخطط القديم

 

فاتح ديسمبر 2024 أكد الرئيس السابق للمجلس المصري الأعلى لتنظيم الإعلام كرم جبر أن ما يجري في سوريا هو مخطط إسرائيلي أمريكي، محذرا من إشعال فتيل “ربيع عربي” وموجة صراعات جديدة.

ووصف جبر الوضع في سوريا بأنه “يشبه حفلة تنكرية تقام على شرف الدولة السورية”، مشيرا إلى أن “المستفيد الأول من الأحداث الجارية في سوريا هي إسرائيل”.

وذكر خلال تصريحات تلفزيونية إن “هناك مخططا إسرائيليا أمريكيا يقف وراء الأوضاع في سوريا”، مشيرا إلى أن “روسيا لن تتدخل في هذا الصراع لتجنب فتح جبهة أخرى بعد الأزمة في أوكرانيا”.

وأضاف كرم جبر: “في عام 2020 دفعت تركيا بتعزيزات عسكرية إلى الشمال السوري، وأصابع تركيا تشير إلى الدولة السورية، في وقت أدرجت فيه الولايات المتحدة جبهة النصرة ضمن الجماعات الإرهابية، لكن لم تبد أي رد فعل على ما يحدث الآن في سوريا”.

وأشار إلى أن “جبهة النصرة هي خليط من الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان، وكانت هي المسؤولة عن إشعال فتيل الربيع العربي”، محذرا مما يحدث في سوريا قد يكون بداية لموجة جديدة من الصراعات.

وأكد جبر أن “الدول لا تسقط إلا عندما تسقط جيوشها”، مشددا على أن الضمان الوحيد لبقاء الدولة قوية هو الحفاظ على قوة جيشها الوطني”، وحذر من أن المنطقة قد تكون على أبواب “ربيع عربي جديد”.

وأشار جبر إلى أن الولايات المتحدة تمد إسرائيل بكل الدعم، وأن إسرائيل تسعى إلى تشتيت الدول من خلال إشعال الصراعات ودعم التنظيمات الإرهابية.

ويدور النزاع المسلح في سوريا منذ عام 2011، حيث تواصل مجموعات متفرقة من المسلحين نشاطها في المناطق الصحراوية في شمال وشمال شرق سوريا تحت حماية قوات أمريكية بعد أن حرر الجيش معظم أنحاء البلاد.

 

تخوفات تل أبيب

 

أفادت “القناة 12” العبرية أنه في مناقشة أمنية عاجلة جرت يوم الجمعة بمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، تم إجراء تقييم شامل لتقارير أجهزة المخابرات حول هجوم المسلحين الواسع في حلب السورية وتداعياته المحتملة على إسرائيل إذا تمكنت دمشق وموسكو ومن يساندهم في حسم المواجهة بسرعة.

وذكرت “القناة 12” أن “مسؤولي المخابرات الإسرائيلية يعتقدون أن الضربة الموجهة إلى المحور الإيراني وتحويل الانتباه عن حزب الله قد يزيد من فرص الحفاظ على السلام على الحدود الشمالية وتوسيع حرية العمل لإسرائيل”.

وفي المناقشة الليلية التي عقدها نتنياهو تم الكشف عن صورة معقدة في أعقاب تقدم المسلحين في سوريا خاصة إذا تم سحقهم بسرعة وإجبار الجيش التركي على التراجع عن مواقع يحتلها في الشمال السوري.

وزعمت القناة العبرية أن البنى التحتية الإيرانية الرئيسية في سوريا تعرضت لأضرار بالغة وسقطت في أيدي المسلحين، فيما اضطر تنظيم حزب الله إلى تحويل موارد وتركيز الاهتمام على التطورات في سوريا تؤثر بشكل مباشر على قدرة الحزب على العمل ضد إسرائيل وتزيد من احتمالية الحفاظ على السلام على الحدود الشمالية والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار.

وبحسب التقييم الإستخباري المقدم على المستوى السياسي، فإن الظروف الجديدة التي نشأت على الأرض تؤدي إلى تقدير بأن حرية العمل الإسرائيلية في الساحة السورية من المتوقع أن تتوسع.

وذكرت القناة العبرية أن التطورات على الساحة السورية والتي تظهر نتائجها أيضا على المستوى الدولي، تشكل نقطة تحول محتملة في مصفوفة القوى الإقليمية، لكن على الرغم من الاتجاهات الإيجابية بالنسبة لإسرائيل في الوقت الحاضر، يؤكد مسؤولو الاستخبارات أنه في السيناريو المتطرف يمكن أن ينقلب الواقع رأسا على عقب ويشكل تحديات جديدة لإسرائيل.

وذكرت “القناة 12” إنه بحسب تقديرات مسؤولين أمنيين فإن الأحداث في سوريا تتطلب تنسيقا وثيقا وتعزيزا للتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة بعد أن شرعت روسيا في تقديم دعم كبير للجيش السوري عبر الغارات الجوية التي ألحقت خسائر كبيرة بالجماعات المسلحة.

في تركيا حيث تكثر الانتقادات لسياسة الرئيس اردوغان، قال علي فؤاد غوكجه الأستاذ في جامعة غازي عنتاب يوم 30 نوفمبر، إن اختيار توقيت هجوم مسلحي هيئة تحرير الشام على حلب لم يكن عرضيا لأن هذه الجماعة الإرهابية تخدم الخطط الأمريكية والإسرائيلية.

وأضاف الخبير التركي في مقابلة مع صحيفة Aydınlık : “لو تعرضت إسرائيل للهزيمة في لبنان، كانت الولايات المتحدة ستدخل ساحة المعركة ليس بجيشها، بل بقوات الجماعات التابعة لها في المنطقة ومن ضمنها حزب العمال الكردستاني وهيئة تحرير الشام. مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في لبنان، بدأت قوات هيئة تحرير الشام في العمل. قبل كل شيء هم يريدون الاستيلاء على حلب، التي تعتبر طريقا مهما جدا لحزب الله. يبدو أن هيئة تحرير الشام، الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة، تعمل لحماية إسرائيل”.

وأعرب الخبير عن اعتقاده بأن هيئة تحرير الشام، تعمل لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، ولفت الانتباه إلى أن واشنطن “تدخل اللعبة” على وجه التحديد خلال فترة إخفاقات الجيش الإسرائيلي في القتال ضد قوات حزب الله.

ونوه غوكجة بأن هدف الأمريكيين يكمن في الاستيلاء على المنطقة المحيطة بحلب، لأن إثارة الصراعات الطائفية في هذه المنطقة من شأنه أن يضر بالعمق الداخلي لحزب الله.

 

الهدنة الصعبة

 

ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، في مقال تحليلي نشرته يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024، إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يجعل السلام في قطاع غزة أقل احتمالا من أي وقت مضى وأكدت أن السلام الإقليمي الدائم يجب أن يمر عبر غزة.

وذكرت في المقال أنه من المثير للدهشة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أبدى تفاؤلا شديدا يوم الثلاثاء عندما أعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل وحزب الله.

وقال بايدن حيث أنهى الاتفاق الصراع الذي استمر 14 شهرا وأودى بحياة ما يقرب من 4000 شخص وتشريد مئات الآلاف، “يذكرنا هذا بأن السلام ممكن”.

وبالنسبة للرئيس الأمريكي الذي فشل بشكل واضح في كبح جماح تجاوزات إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023، فإن الاتفاق يرقى إلى مستوى الاختراق الوداعي بعد أشهر من الدبلوماسية الضعيفة وغير الفعالة.

وتضيف الصحيفة أن السلام على الجبهة الشمالية لإسرائيل سوف يثير حتما الآمال في تحقيق تقدم أوسع نطاقا مع استمرار التدمير المشين والوحشي لغزة في الجنوب، وتضاؤل ​​الأمل في بقاء الرهائن الإسرائيليين الباقين على قيد الحياة محتجزين هناك.

وأفادت بأنه لن يكون من الحكمة المبالغة في تقدير الإمكانات التحفيزية لاتفاق تم التوصل إليه بشروط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبما يناسب مصالحه.

وأشارت إلى أنه واستنادا إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أنهى حرب لبنان عام 2006 ولكن لم يتم تنفيذه بالكامل، فإن الاتفاق الجديد سيلزم القوات الإسرائيلية بالمغادرة وحزب الله بالانسحاب شمال نهر الليطاني في جنوب لبنان، وهذه المرة من المرجح أن تظل المنطقة العازلة التي تم إنشاؤها قائمة.

وتوضح أنه ومع إزالة التهديد المباشر الذي يمثله حزب الله القوي على عتبة إسرائيل، أصبح نتنياهو حرا في مضاعفة أهدافه العدوانية في أماكن أخرى لاسيما فيما يتعلق بطهران وغزة.

وتبين في السياق أنه بذات الوقت في قطاع غزة لم يظهر نتنياهو أي استعداد للمشاركة في محادثات السلام التي توسطت فيها قطر التي علقت دور الوساطة هذا الشهر بسبب سخطها.

وشددت في مقالها على أنه في منطقة على حافة الهاوية فإن أي تسوية دائمة لابد وأن تمر عبر غزة وأن تشتمل على خلق الظروف الواقعية اللازمة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

واستشهدت الصحيفة بمقولة لأوسكار روميرو الأسقف السلفادوري الراحل والتي قال فيها “السلام ليس صمت المقابر – السلام ليس النتيجة الصامتة للقمع العنيف” وهو التحذير الذي يتردد صداه بشكل صارخ في مأساة غزة المستمرة.

وفي السياق تقول “الغارديان” إن نتنياهو ليس لديه رغبة في أن يكون صانع سلام، في الوقت الذي يحاول فيه تفادي محاكمة الفساد والانتخابات التي من شأنها أن تشعل غضب الناخبين بعد السابع من أكتوبر.

وبينت أن مصلحته تكمن بالأحرى في إدامة الشعور بحالة الطوارئ الوطنية وفي تدليل أعضاء حكومته من اليمين المتطرف الذين قد يسقطونه والذين يحلمون بمستوطنات جديدة في غزة المحطمة والمطهرة عرقيا.

وفي ختام المقال، أفادت “الغارديان” بأنه بينما يستعد دونالد ترامب ليحل محل جو بايدن في البيت الأبيض، يجب على العالم أن يأمل في أن تفتح شهيته لفرض حلول فورية واحتمالات جديدة وفي الوقت الراهن لا توفر التطورات الإيجابية في الشمال سوى القليل من الراحة لسكان قطاع غزة.

 

سيناريو حرب نووية

 

التشابك المكثف للصراعات العالمية من وسط شرق أوروبا وحتى شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي وتايوان مرورا بالشرق الأوسط المركز وبلدان الساحل والقرن الأفريقي، وتصاعد مخاوف دول الغرب بقيادة واشنطن من تصدع إمبراطوريتها يقوى ميل الأوساط المحافظة المتمسكة بالرأسمالية الليبرالية إلى ركوب مخاطرة حرب عالمية في مسار ينسخ ما وقع قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية في سنوات 1914 و 1939.

بتاريخ 30 نوفمبر 2024 قيمت مجلة “نيوزويك” الأمريكية عواقب توجيه الولايات المتحدة ضربة نووية ضد عواصم روسيا والصين وكوريا الشمالية بالقنبلة النووية الحرارية B83، وهي الأكبر في ترسانتها العسكرية.

وأشارت المجلة إلى أنه نتيجة لمثل هذه الضربات في موسكو، سيموت ما يقرب من 1.4 مليون شخص، وسيصاب 3.7 مليون آخرين، وفي بكين، يمكن أن يصل عدد القتلى إلى مليون ونصف المليون شخص، مع تضرر 3.3 مليون آخرين، وفي بيونغ يانغ قد يتجاوز عدد الضحايا 1.3 مليون بالإضافة إلى 1.1 مليون جريح.

ورجحت “نيوزويك” أن تغطي الكرة النارية الناتجة عن كل انفجار مساحة 4.1 كيلومتر مربع، أما المنطقة المتوسطة المتضررة، حيث سيتم تدمير أو حرق المباني السكنية، فستغطي مساحة 175 كيلومترا مربعا.

“بي 83” (B83 nuclear bomb) هي قنبلة هيدروجينية غير موجهة متغيرة القوة التفجيرية صنعتها الولايات المتحدة في أواخر السبعينيات، ودخلت الخدمة عام 1983.

وتعادل قوتها التفجيرية ما يقارب من 1.2 ميغا طن من “التي إن تي”، أي 75 ضعف القنبلة الذرية “الولد الصغير” التي ألقيت على مدينة هيروشيما في 6 أغسطس 1945، والتي كانت تعادل 16 كيلو طن من “التي إن تي”، و”بي 83” هي أقوى القنابل النووية في ترسانة الولايات المتحدة منذ 25 أكتوبر 2011 بعد خروج قنبلة “بي 53” من الخدمة.

يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أقر في 19 نوفمبر، العقيدة النووية المحدثة للبلاد، وجاء في المرسوم الرئاسي أنه “بهدف تحسين سياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي “أقرر اعتماد (وثيقة) “أسس سياسة الدولة للاتحاد الروسي في مجال الردع النووي”، ويدخل المرسوم حيز التنفيذ اعتبارا من تاريخ توقيعه.

وقال الكرملين تعليقا على توقيع المرسوم الرئاسي بشأن سياسة الردع النووي، إن تحديث العقيدة النووية الروسية كان أمرا ضروريا لجعلها تتماشى مع الوضع السياسي الراهن.

 

عمر نجيب

[email protected]

التعليقات مغلقة.