رجل فرنسي يُدعى إميل ليري، كهربائي بارع وعاشق للمغامرات

0

في ربيع عام 1993، انطلق رجل فرنسي يُدعى إميل ليري، كهربائي بارع وعاشق للمغامرات، في رحلة بسيارته الصغيرة Citroën 2CV عبر الجنوب المغربي. كان يظن أنّ الأمر لن يتعدّى مجرد مغامرة جديدة يضيفها إلى سجل تجاربه.
لكن القدر كان يخبئ له اختبارًا لم يخطر بباله يومًا.
بين رمال الصحراء القا*سية، حيث لا ظلّ ولا ماء ولا حياة، سلك طريقًا جانبيًا غير ممهد. لحظة واحدة من سوء الحظ كانت كافية: صد*م سيارته بالصخور، فانك*سرت وعلقت في مكان معزول، بعيدًا عن أي قرية أو مسافر. توقف المحرك، وعمّ الصمت. لم يكن هناك شبكة هاتفية، ولا أمل في أن يمر أحد. جلس إميل بجانب سيارته ينظر إلى الأفق الممتد بلا نهاية، مدركًا أنّه إن انتظر المساعدة فلن تأتي أبدًا.
الماء الذي بحوزته كان قليلًا، والطعام بالكاد يكفي لأيام معدودة. هنا اتخذ قراره المصيري: “لن أستسلم للمو*ت. إن لم أجد وسيلة للنجاة… فسأصنعها بيدي.”
بدأ العمل في ظروف لا تُحتمل: شمس حا*رقة بالنهار، وبرد قار*س بالليل، وهدوء صحراوي يذكّره كل لحظة بأنه وحيد. كان ينام تحت هيكل السيارة المقلوبة، يحتمي بها من الرياح، ويقتصد (يقنن) الماء والخبز ليصمد أطول فترة ممكنة.
بيديه المليئتين بالشحوم، ومع بعض الأدوات البسيطة، فكّك سيارته قطعةً قطعة. أزال الأبواب، وانتزع المحرك، واستخرج صندوق التروس، ثم بدأ يرسم في ذهنه فكرة جنونية: تحويل السيارة إلى دراجة نارية بدائية، كان يلتقط صوراً لنفسه ليخلد هذه المحنة. شيئًا فشيئًا، صنع هيكلًا جديدًا باستخدام أجزاء من الشاسيه، ثبّت محرك السيارة عليه، ركّب عجلتين فقط، واخترع مقودًا بدائيًا. كل برغي كان يضعه، وكل قطعة يثبتها، كانت تعني اقتراب خطوة جديدة من النجاة.
اثنا عشر يومًا مرّت وكأنها دهر. في كل يوم كان يشعر بالإنهاك، لكن في داخله كان هناك صوت يقول: “أكمل… الحياة تستحق أن تُقاتل لأجلها.” ومع آخر لمسة، خرجت مركبته العجيبة للنور: نصف سيارة ونصف دراجة، لكنها كانت الأمل الوحيد.
ضغط إميل على دواسة التشغيل، فصدر صوت اهتزاز المحرك. قلبه قفز من مكانه… لقد نجح! انطلق ببطء فوق الرمال، مركبته تهتز وتصدر أصواتًا غريبة، لكنها تتحرك. بعد ساعات طويلة من القيادة عبر المجهول، لمح أخيرًا نقطة للشرطة المغربية. لقد وصل.
المفارقة أنّ رجال الشرطة لم يكتفوا بإنقاذه، بل حرّروا له مخالفة لأن “المركبة غير مطابقة للمواصفات”! لكن بالنسبة لإميل، كان ذلك التفصيل ثانويًا. لقد هزم الصحراء، وتغلّب على العجز واليأس بذكاء وعزيمة.
قصة إميل ليري لم تكن مجرد مغامرة عابرة، بل درس عميق: أنّ الإنسان، مهما كان ضعيفًا أمام الطبيعة، يحمل داخله قوة خفية قادرة على تحويل المستحيل إلى ممكن، واليأس إلى حياة جديدة.

التعليقات مغلقة.