قبائل أيتوسى بإقليم أسا الزاك ملحمة نضالية استثنائية تُدرّس في السلم والانضباط
على امتداد ثلاث سنوات ، سطّرت قبائل أيتوسى بإقليم أسا الزاك ملحمة نضالية استثنائية تُدرّس في السلم والانضباط والاحترام العميق لمؤسسات الدولة. فقد اختار أبناء هذه القبائل، من لجان للأرض وأطر وكفاءات وقدماء عسكريين ومحاربين وشباب واعٍ، طريق القانون والحوار السلمي للمطالبة بحقوقهم المشروعة المرتبطة بالأرض، رافضين كل أشكال الفوضى والتصعيد.
هذا الحراك لم يكن مجرد احتجاج، بل هو تعبير راقٍ عن الوعي السياسي والوطني، ورسالة قوية مفادها أن أبناء قبائل أيتوسى، رغم الشعور بالإقصاء والتهميش، يؤمنون بالدولة ومؤسساتها، ويثقون في قدرة القانون على إنصافهم، بعيداً عن العنف أو الفوضى.
ومن خلال لجان الأرض التي تشكلت في احترام تام للمساطر القانونية، عبّر الحراك عن مطالب واضحة ومشروعة، تتعلق بحقوق تاريخية في أراضي الأجداد، التي ظلت عبر أجيال عنواناً للهوية والانتماء. كما أن الشكل الحضاري لهذا الحراك، الخالي من أي تجاوز أو إخلال بالنظام العام، أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مطالب أيتوسى ليست ضد الدولة، بل من داخل الدولة، وبأدواتها المشروعة.
ولعل من أبرز ما يضفي على هذا الحراك بعداً رمزياً ووطنياً عميقاً، هو مشاركة عدد من قدماء العسكريين والمحاربين، الذين سبق لهم أن دافعوا ببسالة عن حوزة الوطن ووحدة ترابه، وواجهوا العدو في أصعب الظروف، واليوم هم في مقدمة الصفوف يطالبون بحقوقهم المشروعة بوعي وحكمة ومسؤولية. حضورهم في هذا الحراك هو تأكيد على أن الدفاع عن الأرض لا يكون فقط بالبندقية في ساحات المعارك، بل أيضاً بالكلمة والموقف في ساحات النضال القانوني.
وما يميز هذا الحراك كذلك، هو الانخراط الواسع لأبناء القبيلة المقيمين بالمهجر، الذين عبّروا من مواقعهم عن تضامنهم الكامل معنويا وماديا، ومواكبتهم المستمرة، ودعمهم المتواصل للحراك، سواء عبر التنسيق والتوعية أو من خلال التأطير القانوني والإعلامي والمرافعة في المحافل المختلفة. وقد أظهر أبناء الجالية أنهم جسد واحد مع إخوانهم بالوطن، وأن الأرض قضية وجود لا تعرف الحدود.
وفضلاً عن ذلك، لقّن هذا الحراك درساً بليغاً لكل من حاول، أو لا يزال يحاول، جرّ أبناء القبيلة إلى مستنقعات الفوضى والعنف وخرق النظام العام. فبمواقفهم الواعية، واختيارهم لطريق النضال السلمي تحت سقف القانون، أظهر أبناء أيتوسى أن الحكمة والانضباط أقوى من كل محاولات التشويش، وأن القبيلة ليست أداة في أيدي من يسعون إلى زرع الفتنة، بل قوة وطنية مسؤولة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
واليوم، بعد ثلاث سنوات من الصبر والالتزام، لا تزال هذه المطالب تنتظر آذاناً صاغية من الجهات المعنية، واستجابة فعلية تعيد الثقة وتحفظ الكرامة وتكرّس العدالة المجالية والاجتماعية. لأن الأرض، بالنسبة لقبائل أيتوسى، ليست فقط وعاء مادياً، بل هي ركيزة للهوية وامتداد للتاريخ.
إنه نداء مفتوح للحوار، وتأكيد على أن الوطن يتسع للجميع، وأن القانون، حين يُفعّل بعدالة وإنصاف، يكون الحصن الحقيقي للسلم الاجتماعي والاستقرار والتنمية.
التعليقات مغلقة.