حراك قبائل أيتوسى من أجل الأرض… هل تلوح بوادر حل في الأفق؟

186

بقلم: بوجمع بوتوميت
مقدمة:
خلق الله الناس مختلفين في الإمكانات والقدرات العقلية والثقافية، كما خلقهم مختلفين في الإرادات والقابليات النفسية ، ومن منطلق هذه المعطيات تختلف وجهات نظر الناس حول المواضيع والقضايا الاجتماعية، تبعا للزاوية التي ينظر منها كل فرد إلى الموضوع، فيتشكل لدى كل فرد جزء من الحقيقة لا كل الحقيقة، كما تختلف طبيعة ودرجات التفاعل مع القضايا تبعا للإرادات والقابليات.
كيف نبني موقفا مما يحدث:
إن بناء أي موقف موضوعية من أية قضية أو حدث اجتماعي أو سياسي، لا تتوقف على مجرد الانطباعات التي يمكن ان تتشكل لدى الإنسان المتابع من خلال تفاعله وانفعاله مع الأحداث والقضايا، وفي غياب استجماع حد معقول من المعطيات الضرورية المتعلقة بموضوع ما، واستحضار وجهات النظر المختلفة حوله، يصعب أن تتشكل رؤية عامة تمكن المتابع من إصدار حكم موضوعي، أو بناء موقف تجاهه، يتجاوز الانطباع العاطفي، وفي هذا الإطار يجب أن نقرأ ونفهم طبيعة الاختلاف الحاصل في وجهات النظر بين أبناء القبيلة حول ملف الأرض، هذا الاختلاف الذي تتداخل فيه عوامل متعددة منها النفسي والبراغماتي، واختلاف درجات الوعي بأهمية الموضوع، ومدى استيعاب طبيعة انعكاساته الاستراتيجية على القبيلة كمعطي “سوسيوبوليتيكي”.
من هذا المنطلق يمكن القول أنه ليكون الموقف من قضية تحفيظ أراضي قبائل أيتوسى موقفا أقرب الى الصواب، لابد له يستحضر مجموعة من المعطيات الموضوعية والذاتية، التي تشكل مفاتيح لفهم عناصر الأزمة وتعقيداتها، والفاعلين فيها بشكل مباشر أو من خلف الستار، ومن هذه المعطيات الأساسية فواعل الأزمة التي أجملها في: الدولة التي تسعى الى تحفيظ الأرض دون إعطاء أي اعتبار للسكان الأصليين للمجال، والقبائل المدافعة عن حقها في التملك للأراضي وحيازتها والتصرف فيها، والشركات الأجنبية التي تريد الاستثمار، إضافة إلى شبكة المصالح المكونة من شركات وطنية، ومسؤولين نافذين، وسماسرة الأرض بالمنطقة، ومن يدور في فلكهم من بعض أبناء القبيلة، المنتفعين بشكل مباشر أو غير مباشر من الوضع، على اختلاف حيثياتهم ومكانتهم الاجتماعية.
وتبعا لكل تلك الاعتبارات، فإن أي حل مستدام لقضية أراضي قبائل أيتوسى، لابد أن يمر عبر التأسيس لعلاقة حوار هادئ مع الأطراف الأساسية الفاعلة في الأزمة: الدولة والقبائل وشركات الاستثمار، على اعتبار أن بقية الفواعل ليست سوى لواحق لها أدوار ثانوية مكملة، لا خيار لها إلا التفاعل إيجابا مع أي حل متفق عليه بين أطراف الأزمة الأساسيين.
تنامي الوعي الجماعي بأولويات القبيلة وقضاياها الاستراتيجية:
بعيدا عن البحث في نوايا المواقف والاصطفافات وخلفياتها، نفترض جدلا أن جميع وجهات النظر حول ملف أراضي أيتوسى، بما فيها تلك المتطرفة في معارضتها للحراك وأهدافه ، دافعها هو البحث عن المصلحة العامة للقبيلة ولساكنة المجال، وصيانة أرضها وذاكرتها التاريخية وموقعها الإعتباري، الذي لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن معطى الأرض لما لها من قيمة رمزية واعتبارية في وجدان أهلها.

قد نختلف كليا أو جزئيا حول بعض الآراء والمواقف المناوئة لحراك القبائل من أجل الأرض، المبخسة لأدائه، المشيطنة لرموزه، إلا أنه لا يمكن إنكار أن استمرار القبائل في حراكها النضالي السلمي من أجل أراضيها لسنة كاملة، قد ساهم إلى حد كبير في تشكيل حالة من الوعي الجمعي المتنامي للقبيلة بذاتها، وبأهمية الأرض بالنسبة لها، في بعدها الاستراتيجي، وشكل استفزازا لها للعودة الى تنظيم نفسها، لتكون معطى له تأثير واعتبار وفاعلية، لا مجرد رقم مهمل في معادلة صفرية .
هذا الوعي الذي راكمه الحراك، بما واكبه من نقاش عمومي بين كافة أبناء القبيلة داخل المغرب وخارجه، حتى وإن كانت النقاشات تصل أحيانا إلى درجة من الحدة والتشنج التي تخرج بالمتحاورين عن اللياقة وآداب الحوار، إلى متاهات وهوامش لا تخدم مصلحة القبائل، ولا تفيد في فاعلية حراكها، ولا في البحث عن حلول، ولا تصحح أفكارا أو مغالطات، ولا تؤطر توجها عاما، إلى درجة تكاد معها أن تصبح عامل فرقة وشتات، عوض أن تكون عامل تكامل وتنوع في وجهات النظر المساهمة في تعدد الحلول، الموصلة إلى تحقيق كرامة القبيلة واعتبارها.
لا حل بدون حوار هادئ يضمن المصالح المشتركة:
إن الحقيقة التي ظلت تشكل قناعة راسخة لدى عموم أبناء قبائل أيتوسى منذ بداية الحراك، وتدركها جيدا الجهات الإدارية الرسمية وشركات الإستثمار، وتستمر في تجاهلها، هي أنه لا يمكن لأي استثمار في أي بلد أن ينجح في غياب توفير بيئة مستقرة تضمن الأمان لرأس المال الجبان بطبعه، ولا أعتقد أنه يمكن ضمان بيئة استقرار مشجعة على الاستثمار، إلا بنهج الجهات الرسمية وشركات الاستثمار لمقاربة تشاركية وحوار براغماتي، مع ساكنة المجال وأهل الأرض، على قاعدة رابح رابح، وقد يكون من الصعب أن يكتب لأي حوار نجاح، إن لم يمر عبر ممثلي القبائل الشرعيين ، الذين يحوزون ثقة التوجه العام للقبيلة في هذا الملف، ولا يعتقد أن هناك شرعية إنجاز وشرعية تفويض ونضال من أجل الأرض تتوفر لأحد داخل القبيلة اليوم، أكثر من شرعية هياكل الحراك.
وساطات ومبادرات حل تلوح في الأفق:
قد يتفاجأ البعض هذه الأيام بالتحول المتسارع في بعض المواقف والخطابات، التي أصبحت تلين بشكل تدريجي على غير عادتها، ويتغير بعضها 180 درجة، ليصل إلى درجة التماهي مع توجهات الحراك، استعدادا ربما لركوب الموجة في الزمن القياسي واللحظة الفارقة، خاصة إن استحضرنا أن هناك مبادرات تطبخ على نار هادئة في أعلى المستويات، للبحث في حلول ما تنهي قضية الأرض التي يخشى أن تتحول إلى أزمة مستدامة بين الدولة والقبائل، بشكل من الأشكال.
من المؤكد جدا أن هناك محاولات وجهودا رسمية حثيثة وغير معلنة، تسعى لفتح قنوات تواصل مع القبيلة، من أجل الوصول إلى حل ينهي الأزمة، ليس بعيدا أن يكون بعض هذه الجهود التي تبذلها وساطات، من خلال وضعها لشروط مسبقة في أجندتها، محاولة ناعمة للالتفاف على الحراك، وتفكيكه وتفجيره من الداخل، عبر ضرب الانسجام الحاصل بين أعضائه واحتواء بعض رموزه، يبقى هذا احتمال وارد جدا، لكن ما لا يمكننا أن ننفيه أيضا هو أن بعض هذه الجهود المبذولة يهدف بشكل جدي إلى إيجاد حل معقول، يضمن الحد الأدنى من حقوق القبائل، في مقابل ضمان تهييء بيئة مساعدة على نجاح الإستثمار، وهنا لمزيد من التوضيح وإزالة اللبس، لا بد من الإشارة إلى أن أي وساطة أو مبادرة للحل تضع الشروط المسبقة لإجراء أي حوار، لا نعتقد أنها

ستحظى بالنجاح، بل لا يستقيم أن تكون موضع قبول، لا من لجان الحراك ولا من الرأي العام للقبيلة، لاعتبار أساسي هو أن تسييجها بهذه الشروط المسبقة لن يجعلها تحقق الحد الأدنى لمصالح القبيلة وحقوقها، بل يجعلها مظنة أن تكون مجرد محاولة لصناعة بيئة حوار تضمن تمرير أي حل مطبوخ دون مراجعة أو اعتراض، حتى وإن كان هذا الحل لا يحظى بالقبول العام، ولا يضمن الحد الأدنى لحقوق ومصالح القبيلة، لهذا فإن قبول الدخول في أي مبادرة أو حوار مشروط، يعد مغامرة غير محسوبة العواقب، ولا يمكنها إلا أن تكون قبولا مسبقا بنتائج تمت صياغتها وهندستها بمحاورين على المقاس لتمريرها، وبالتالي فإن مبادرة هذه خصائصها لا يجوز أن نسميها حوارا، بقدر ما هي تعليمات أريد لمحاورين أن ينفذوها ويسوقوها للرأي العام على أنها إنجازات.
أخيرا، قد يرى البعض أن ما أوردته من حقائق في هذا المقال مجرد تمن وانطباعات، لكني أعتبرها استشفافا وقراءة شخصية لمعطيات بعضها يقيني، أعتبرته كاف كأرضية لافتراض بعض السناريوهات، التي قد تمكن المتابعين من تحليل وتوقع المآلات، والأيام القليلة القادمة على كل حال ستتنبؤنا بما هو آت.

التعليقات مغلقة.