أزمة عميقة في الفهم الحقيقي لمعنى التنمية الجهوية والاختيارات ذات الأولوية

1

يعكس جدول أعمال الدورة العادية لمجلس جهة كلميم وادنون، المقرر عقدها يوم 7 يوليوز 2025، أزمة عميقة في الفهم الحقيقي لمعنى التنمية الجهوية والاختيارات ذات الأولوية بالنسبة لساكنة الجهة. ورغم الطابع المتخم لهذا الجدول من حيث عدد النقاط المدرجة، فإن المضمون يظل هشًا، يغلب عليه طابع الاتفاقيات الشكلية والتصويت على بروتوكولات شراكة دون أثر ملموس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يجعل هذه الدورة تكرارًا نمطيًا لغيرها، تغيب عنها الجرأة والنجاعة.
يلاحظ أن أغلب النقاط المدرجة تتعلق بالمصادقة على اتفاقيات شراكة، دون أن تقترن بمشاريع استثمارية مهيكلة ذات وقع فعلي على حياة المواطنين، خاصة في ظل الارتفاع المهول لمعدلات البطالة والفقر والهشاشة الاجتماعية التي تعاني منها الجهة، والتي صنفت مرارًا ضمن الجهات الأكثر تضررًا على الصعيد الوطني. إن كثرة الحديث عن شراكات دون الحديث عن آليات التنفيذ، أو مصادر التمويل المؤكدة، أو آجال الإنجاز، يجعل من هذه الدورة مناسبة لإعادة إنتاج خطاب فارغ لا يجيب عن الانتظارات الحقيقية للمواطنين.
الأخطر من ذلك هو الغياب الصارخ لأي مشروع يتعلق بتعزيز العرض الصحي، خصوصًا في ظل فشل الوعود السابقة بإحداث المركز الاستشفائي الجامعي بكلميم، وتعثر مشروع بناء كلية الطب والصيدلة التي تدخل عامها الثالث بدون مقر رسمي ولا بنيات إكلينيكية، وهو وضع غير مسبوق يعكس الاستهانة بحق ساكنة الجهة في تعليم طبي جاد ومتكامل. هذا الوضع يزداد قتامة أمام تعثر انطلاق مدينة المهن والكفاءات، التي كان من المفترض أن تشكل قفزة نوعية في التكوين المهني والتأهيل المجالي، لكنها تحولت إلى مجرد عنوان معلق دون أفق زمني واضح للتنفيذ.
في المقابل، يتم تخصيص نقاط ضمن جدول الأعمال لدعم مهرجانات وتنشيط ثقافي وترفيهي، أو إحداث مراكز استقبال ومراكز ثقافية، وهي وإن كانت مهمة، إلا أنها لا تندرج ضمن الأولويات الملحة التي تفرضها الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة. هذا التناقض بين الواقع الصعب والمشاريع المقترحة، يكرس صورة مجلس منشغل بالواجهة الرمزية أكثر من انشغاله بالملفات ذات الأثر المباشر، ويُظهر خللاً في ترتيب الأولويات وتبديدًا للجهد والمال العمومي في برامج لا تصنع الفارق.
يُطرح هنا أيضًا سؤال النزاهة والنجاعة في تنفيذ ما يتم التصويت عليه، خصوصًا في ظل غياب آليات تتبع ومراقبة حقيقية، وفي ظل استمرار الحديث عن شبهات سوء التدبير والفساد السياسي في تدبير شؤون الجهة. فالشراكات التي لا تُفعل تظل مجرد وثائق في الأرشيف، ويظل المواطن في الانتظار، يُحصي الوعود كما يُحصي خيبات التسيير المحلي. لذا فإن جدول الأعمال، كما عُرض، يُعد استمرارًا لمنطق التسيير الموسمي، القائم على الاجتماعات والبروتوكولات، في غياب تصور استراتيجي واضح المعالم وشجاع في اتخاذ قرارات حقيقية تستجيب لأولويات الصحة، والتعليم، والتشغيل، والتنمية القروية، وخلق الثروة.
في النهاية، لا يمكن اعتبار هذا الجدول سوى مرآة عاكسة لأزمة عميقة في الحكامة الترابية، وفشل واضح في تفعيل الجهوية المتقدمة كمشروع تنموي حقيقي. إن الجهة اليوم في حاجة إلى رجال دولة، لا إلى ساسة مناسبات، وإلى جرأة في التفكير والاقتراح، لا إلى الاستسهال السياسي بتكرار العبارات الجوفاء حول الشراكة والتنمية. فالمجتمع المحلي لا ينتظر شعارات، بل ينتظر تغييرًا حقيقيًا وملموسًا في شروط عيشه وحاضره ومستقبله.

التعليقات مغلقة.