تارودانت : ارث حضاري آيل للإنقراض

223

 

محمد احمد السماني

باحث في الدبلوماسية الموازية والاقتصاد

 

كثير من حول العالم   لا يعرفون أين توجد مدينة تارودانت، ومرد ذلك ليس بسبب عدم قيام الإعلام بدوره التعريفي بالمدينة ،حاشا لله ،فقد اهتم الإعلام المغربي منذ القدم  بتارودانت ماقبل حادثة حاضي وحتى وقوع زلزال 08 شتنبر الماضي 2023 الذي لايزال منكوبيه في الجبال والسهول بإقليم تارودانت يصارعون قساوة الطبيعة من حر وبرد وامطار ورياح داخل الخيم ؛ كانت تارودانت دائما حاضرة في اهتمامات الإعلام سواء كسبق صحفي او كترتيب المدينة في أدنى سلم التنمية ..لكن المقصود هنا هو تجاهل مدينة بهذا الزخم التاريخي الذي كان لها في الأزمنة القديمة، إذ كيف لا تدون وتدرس في المقررات الدراسية الإبتدائية والإعدادية والثانوية كمادة تاريخية وهي التي كانت ممرا تجاريا يربط شمال المغرب بافريقيا جنوب الصحراء والساحل، وقطبا حضريا محاطا بمصانع السكر خلال الزمن الماضي ،وعاصمة من العواصم الخمس للمغرب

إن هذا السبق التاريخي لمدينة تارودانت جوهرة  سوس والجنوب المغربي عموما هو الذي أهلها كي تحتضن عبر كل الحقب التاريخية إلى جانب مكانتها العلمية حرفا وصناعات وانماط غذائية وفنية مختلفة؛ فوجود دار الدباغة مثلا  قد  ساهم في تأسيس صناعة تقليدية للمنتوجات الجلدية المختلفة الى جانب حرف مختلفة كصياغة الحلي  والتعدين والنسيج والحدادة ، الى جانب كل ذلك وجدت صناعة أو حرفة  النحت على الحجر والخشب التي  أوشكت اليوم على الانقراض ولم يتبقى منها الا محترف ومعلم واحد يصارع الزمن من اجل الاستمرار والبقاء دون ان يهتم لأمره وأمرها أحد

*تارودانت كنز حضاري بحاجة للتثمين

الى جانب ذلك فقد تميزت مدينة تارودانت  عبر العصور بتفردها بأنواع غذائية تقليدية كالطنجية والكسكس والبسطيلة المحشوة بطيور الحمام وانواع الشواء ، كانت تقدم في الأفراح والمناسبات التي كان ينظمها علية القوم من رجال السلطة ووجهاء المدينة على ايقاع  انماط غنائية كالدقة الرودانية وطرب الملحون و الميزان الهواري وأحواش والفن العيساوي والحمدوشي وغيرها من الانماط الغنائية والفنية المختلفة التي رافقت ذلك الأوج والرقي الحضاري الذي عاشته المدينة على مدى قرون خلت

ان مايجعل مدينة تارودانت تحظى الى اليوم كذلك باهتمام المؤرخين المعاصرين كما اهتم بأمرها المؤرخون القدامى هو هذا السور العملاق الذي يتجاوز طوله سبعة كيلومترات بأبوابه الخمسة  والذي لازال يكتنز كثيرا من الأسرار التاريخية تحتاج من يكتشفها ويستنطقها، وبقايا قصور ودور وقصبات ورياضات وساحات للتجمعات ومساجد ضاربة في عمق التاريخ كانت بمثابة جامعات اليوم ولا أدل على ذلك الجامع الكبير الذي كان يستقبل وفود طلابية إفريقية وعربية من أجل الدراسة وتحصيل مختلف العلوم

هذا الإرث الثقافي والحضاري و بكل تجلياته اذا لم تتحمل نخب المدينة مسؤوليتها التاريخية في انقاد ماتبقى من حرف وصناعات وانماط غنائية  وتراث مادي ولا مادي بصفة عامة من الانقراض ،فإن الندم والأسى  سيكون هو حال الأجيال المقبلة ولمن سيؤرخ لهذا التكاسل والتهاون والتجاهل لما يعتري الموروث الحضاري والثقافي المادي واللامادي في المراحل المقبلة لا قدر الله من قبل مسيري الشأن المحلي ومثقفي المدينة على السواء

 

التعليقات مغلقة.