أمگـار الطنطـان.. المـدون المحجـوب الـداودي (نيمبر وان) في الطنطـان يكتب

80

#الطنطــان:
المـدون المحجـوب الـداودي (نيمبر وان) في الطنطـان يكتـب:
أمگـار الطنطـان:

لا شك بأن الموسم الثقافي “أمگار” ليس مهرجانا غنائيا ولا عرضا للفولكلور الشعبي ومرفوض أن يكون كذلك، وإن حدث وحاول البعض تصوره أو تشخيصه نحو هذا الاتجاه فهو يقوم بشكل معلن وغير مسؤول بعمل مدان ومستنكر ولا تقبله ساكنة المنطقة ولا مثقفوها، ولا ترضى عنه الثقافة الحسانية،،، وهي التي نص الخطاب الملكي في المغرب بشكل صريح على إعطائها حيزا كبيرا من الأهمية والاحترام باعتبارها عنصرا ثقافيا حاضرا بذاته ومكونا أساسيا من مكونات الهوية المغربية بثقافاتها المتعددة…
إن تشخيص الموروث الثقافي الصحراوي كبضاعة فولكلورية على شكل لوحات معزولة هنا وهناك والإساءة بشكل مقصود أو غير مقصود لمكونات الهوية الثقافية للصحراويين في جنوب المغرب هو أمر خطير وله أثره على النفسية الجماعية لساكنة المنطقة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طبيعة العلاقة الحميمية التي تربط المجتمع الحساني بتراثه الشعبي وخصوصيته الثقافية، وهي علاقة مفهومة جدا في سياق الانتقال الحديث من البداوة للمدينة الذي شهده هذا المجتمع، إذ لم يتجاوز بعد عتبة الخمسين سنة، وهي فترة قصيرة جدا بمقاييس المهتمين بالحقل السوسيولوجي …

الإساءة أو الإهانة بمفهومها الاجتماعي، لا تأتي دائما على هيئة المواقف الجانبية المحدودة بين عنصرين متنافرين حال بينهما طارئ ما، بل قد تكون في كثير من الأحيان موقفا مسيئا تبناه مسؤول ما وألبسه عن عمد عباءة الرسمية كي يشرعن به سوءَ ما اقترفه،،، و هذا ما يحدث في موسم الطنطان، من هنا كانت معظم الفقرات المبرمجة في موسم الطانطان بنسخته الأخيرة محل امتعاض ورفض وإدانة من طرف ساكنة المنطقة، شيوخها قبل شبابها وبسطائها قبل مثقفيها ومُهاجريها قبل مقيميها، ذلك أنها حملت هذه المرة كسابقاتها سمة التزييف والحرمة في التجاوز على ما لا يقبل تجاوزه عادة في الصحراء، وسقط المشرفون فيها سقطة لا تغتفر، فكيف يمكن اختزال الجانب التراثي الثري لمجتمع الصحراء ولساكنة البدو في بضع لوحات من الموسيقى الغير هادفة والتي شابها ما شابها من سوء التنظيم والتدبير، وفي خيمة شعر لم تخرج يوما عن نطاق الشعبي منه وكأن المنطقة لم تتغير وما تزال حبيسة أدراج الماضي والزمن الغابر، وكأن لا شيء حدث في ثقافة أهل الصحراء، فعرض حفل العريسين واستعراض أزياء النساء التقليدية ومسابقة طبخ لا علاقة لها بحقيقة الأزمنة الغابرة،،، هياكل خيام نصبت دون محتوى يذكر ، موسم تشرف عليه المؤسسة المنظمة، والتي يعتبر مقرها من عجائب الدنيا بعيدا جداً هناك في الرباط، فما أبعد الرباط جغرافيا عن الطانطان وما أبعد المؤسسة المشرفة عن ثقافة المنطقة وتراث أهلها!!! فرغم كل النداءات التي صدرت من هنا وهناك، ما زالت الثقافة في منطقة الصحراء في نظر المسوؤلين عن تدبيرها تختزل في خيمة، دراعة، ملحفة وفي موكبٍ للهجن وآخر للخيل، لا شيء تغير في الصحراء ولا أقلام تكتب، كل شيء شعبي وكل تراثنا شفهي، يبدو أن أشياء كثيرة قد فاتت المنظمين ويا للغرابة حقاً!

الشعر الفصيح لا وجود له في مجمل الأنشطة الرسمية في كل ملتقيات الصحراء، وأبرزها موسم طانطان، لا حضور لحديث يذكر عن الرواية ولا عن المسرح ولا رائحة للفكر ولا لندوات النقاش، كل ما طفا على السطح مهرجانات صاخبة لموسيقى قد لا تتناسب كثيرا مع هيأة الموسم والذي هو روحي وثقافي بالأساس،،، كيف تتناسى المؤسسة المنظمة إشراك شعراء الشعر الفصيح من أبناء الطنطان والصحراء، كأمثال: الشاعر الراجي عمر ،حميد الشمسدي، أبو فراس بروك، سعيد كويس …الخ. أليس هم من يشرف المملكة المغربية في مسابقات أمير الشعراء التي تنظم كل سنتين بإمارة أبي ظبي،،، الصحراء تعج بالباحثين، الأدباء، الكتاب، الروائيين، والفنانين الملتزمين… أليس عيبا وعارا أن يختزل موسم الطنطان في حفلات ومسابقات للطبخ والرقص واستعراض فاحش للأجساد …
السؤال التنموي في حصيلة الموسم الثقافي بالطانطان حاضر وبقوة في أبجديات المساءلة في مستواها الأكاديمي المستقل، وغائبة حتما على الطاولة الرسمية، ذلك أن الوتيرة السنوية والتي تميزت بها نشاطات هذا الموسم كان من المفترض أن تستغل بشكل صحيح ومنتج على نحو يجعل الفترة الفاصلة بين النسخة والنسخة على امتداد سنة كاملة مرحلة سانحة لتدارس النتائج المحصل عليها واستشراف الآفاق التي يجب الانفتاح عليها وخلقها في قادم الدورات، وكلها أشياء لم تتغير…
المال العام الذي يصرف تحت أعين المؤسّسة المشرفة وبحضور السلطات الوصية بالإقليم وعلى امتداد سنوات طويلة لم يحرك شيئاً يذكر في مياه التنمية الراكدة بإقليم الطانطان وبكل الجهة، فالأزمة الاجتماعية ظلت بعيدة عن محاور الموسم، لا أوراش سياحية استفادت من قيمة الإنفاق الذي كان، ولا فرص استثمارية تم جذبها لداخل الإقليم، وقد ظل العنصر الثقافي كما كان دوما مغيبا وبعيدا عن دائرة التنمية، وبقيت بذلك التنمية المستدامة هي الأخرى حلما بعيد عن آمال الساكنة ورواد الإقليم…
إن العناية بالجانب الثقافي ليست عنصرا جانبيا ، ولا يجب أن يتم النظر إليها على هذا النحو، خاصة ونحن بصدد التأسيس لدورات قادمة من هذه التظاهرة الثقافية الأكبر على صعيد جهات المغرب الجنوبية، إذ ينبغي أن تكون التنمية هي البوصلة التي تحرك اتجاه البناء والتطور في المشهد الثقافي، لا نحتاج لندوات شكلية تستعرض السؤال التنموي على هيأة فرضيات وعروض للاستهلاك الإعلامي، ولا نحتاج كذلك للوحات وفقرات من عروض الفولكلور الشعبي بصيغة التبضيع والتطبيل والاستىرزاق، ولا نحتاج في نفس الوقت لشوط جديد من الاحتكار الإداري والسلطوي في التعاطي مع هذه الفعاليات الثقافية، بل نحن مجبرون جميعا على سلك مقاربة تشاركية يتم بموجبها تدخل المعنيين والفاعلين الحقيقيين من ساكنة الإقليم والمنطقة –وكلهم معنيون بالمناسبة-، ومحتاجون في الوقت ذاته إلى النهوض بالقيمة الفنية والثقافية للموسم عبر اعتماد خطة عمل جماعية لا يقصى فيها طرف من معادلة البناء، بغية الرجوع إلى النقطة التي تعيدنا إلى روح الموسم ومعناه الحقيقي، لا ذاك الذي وقعنا فيه اليوم.

إن تجاهل الجانب المعرفي في موسم الطانطان الثقافي لم يعد مقبولا أبدا، ولا بد من إعادة الاعتبار للعقل في دائرة التراث، نحن ملزمون اليوم بتبني مقاربة معرفية تكون في صلب الموسم…كما نحن بحاجة إلى إعادة النظر في برنامج موسم الطانطان، وتغليب الرؤية المنطقية لخلق التصور المثالي والأكثر نجاعة لنسخته القادمة، من أجل الرفع أولا من مستواها الثقافي والفني وزيادة حجم المردودية الاقتصادية وهو ما يجب أن نسير به صوب هدف أسمى هو التنمية الحقيقية الشاملة والمستدامة في إقليم طانطان ومنطقة الصحراء عموماً.

التعليقات مغلقة.